أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

استعداد وظيفي:

مستقبل العمالة الهندية في دول الخليج العربية

31 أغسطس، 2014


إعداد: هالة الحفناوي

يعكس تواجد نحو 6 ملايين عامل هندي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أحد أبعاده حجم المصالح المشتركة بين الهند ومنطقة الخليج. فعلى مدى العقود الأربعة السابقة استمرت موجات هجرة العمالة الهندية المؤقتة في التدفق إلى دول مجلس التعاون، وأصبح الهنود من أكثر الجنسيات المفضلة للعمل في دول المنطقة، نظراً إلى قدرتهم على العمل المتواصل والكثيف، وتحليهم بثقافة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي يعملون فيها.

بهذا الاستهلال تبدأ الباحثة Neha Kohli بمعهد دراسات وتحليلات الدفاع الهندي، دراستها حول "العمالة الهندية المهاجرة إلى دول الخليج"، والتي هي موضوع الفصل الخامس من كتاب (التطورات في منطقة الخليج .. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين)، الذي أصدره المعهد في عام 2014.

ملامح العمالة الهندية في دول الخليج

شهدت منطقة الخليج العربية طوال الأربعين عاماً الماضية معدلات ضخمة من هجرات العمالة الهندية المؤقتة، سواء الماهرة أو نصف الماهرة أو غير الماهرة. وعلى الرغم من صغر حجم نسبة العمالة الماهرة من مجمل العمالة الهندية التي ترد إلى دول الخليج، فإنها تتزايد على مدار الأعوام القليلة الماضية؛ فمن بين 22 مليون عامل هندي مهاجر، هناك ما يقارب "6 مليون" عامل هندي في دول الخليج (المحرر: جمعت الكاتبة هذا الرقم من مصادر هندية، رسمية وغير رسمية، وهو رقم لا يعتد بصحته المطلقة إلا من خلال أرقام وإحصائيات صادرة من مؤسسات رسمية بدول مجلس التعاون الخليجي)؛ ومن ثم تعتبر منطقة الخليج العربية ثاني أكبر تجمع للمغتربين الهنود في إقليم واحد على مستوى العالم، بعد قارة أمريكا الشمالية.

وتتفاوت أعداد العمالة الهندية في دول مجلس التعاون، حيث يتركز العدد الأكبر منهم في السعودية والإمارات، وتأتي البحرين كأقل الدول الخليجية من حيث عدد العمال الهنود فيها.

وتقسم الباحثة العمالة الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى ثلاث فئات أساسية، هي: ـ

1 ـ العمالة غير الماهرة، وتعمل هذه المجموعة لدى شركات البناء، والبلديات، وفي المزارع، وتضم أيضاً العمالة المنزلية.

2 ـ العمالة شبه الماهرة، وهم المهنيون والمتخصصون مثل المهندسون، والأطباء، والمحاسبون، والممرضون والعاملون في وظائف إدارية في القطاعين العام والخاص.

3 ـ رجال الأعمال، وهم من لديهم استثمارات متوسطة أو كبيرة داخل دول الخليج العربية.

وتشكل الفئتان الأولى والثانية أغلب أعداد العمالة الهندية في دول الخليج العربية، حيث تصل لأكثر من 70% تقريباً، مع ملاحظة استمرار الارتفاع في نسبة العمالة المتخصصة مقارنة بنسبتهم في العقدين الماضيين، والتي لم تكن تتجاوز 10%.

وتعتبر قضية العمالة المهاجرة إلى دول مجلس التعاون بصفة خاصة، والمهاجرة إلى دول أخرى بصفة عامة، قضية بالغة الأهمية لدولة نامية مثل الهند، حيث ينخفض فيها نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي من ناحية، وترتفع معدلات البطالة من ناحية أخرى. ومن ثم فإن، العمالة المهاجرة تحمل للهند ميزتين أساسيتين، أولاهما: أنها تعد أحد الحلول لانخفاض فرص العمل داخل الهند، أما الميزة الثانية فهي أنها تمثل مصدراً للعملة الأجنبية الناتجة عن تحويلات الهنود العاملين في الخارج.

ووفقاً لبيانات البنك المركزي الهندي 2008-2009، فإن حجم تحويلات العمالة الهندية في دول مجلس التعاون تأتي في المرتبة الثانية بعد العمالة الهندية في أمريكا الشمالية؛ إذ تقدر نسبة التحويلات بنحو 27% من إجمالي تحويلات العمالة الهندية المهاجرة، وبلغ إجمالي هذه التحويلات 29 مليار دولار وفقا لبيانات عام 2011.

وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الخليجية الأولى من حيث نسبة إجمالي تحويلات العمالة الهندية، حيث تمثل وحدها 48% من إجمالي تحويلات العمالة الهندية بدول الخليج، فقد بلغ حجم التحويلات الهندية من الإمارات 14 مليار دولار، ثم جاءت السعودية في المرتبة الثانية بنسبة تصل 26% (حوالي 7.6 مليار دولار)، في عام 2011/2012.

ووفقاً للكاتبة، فإن الفارق بين تحويلات العمالة الهندية من الدولتين على الرغم من وجود أعداد متقاربة من العمالة بهما، يعود إلى الفارق بين مستوى الدخول التي توفرها كلتا الدولتين، فالأجور مرتفعة في الإمارات نسبياً عن مثيلتها في السعودية من جانب، كما تتركز العمالة الهندية الأكثر كفاءة في دولة الإمارات مقارنة بالسعودية؛ ومن ثم يأتي الفرق في مستوى الدخول.

أما التحويلات من الكويت، فتقدر بنحو 2.6 مليار دولار، ومن سلطنة عُمًان 2.3 مليار دولار، ونحو 2 مليار دولار من قطر، وأخيراً نحو 690 مليون دولار من البحرين.

ولأن وجود العمالة الهندية في دول الخليج يعتبر بشكل مؤقت، ونتيجة لانخفاض الأجور كذلك، فإن أغلب العمال لا يصطحبون أسرهم معهم؛ ومن ثم تبقى صلاتهم بدولتهم قوية ووثيقة؛ وهو الأمر الذي يترتب عليه تحويل جزء كبير من أجورهم لبلادهم وضخها في دورة الاقتصاد المحلي هناك.

وتشير Neha Kohli إلى أن مستوى معيشة مدن وأحياء بأكملها في الهند قد ارتفع بسبب تحويلات العمالة الهندية في الخارج. وتعد مدينة كيرلا kerala مثالاً على ذلك، فقد غيرت الهجرة إلى دول الخليج الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في بعض المدن، وكذلك أنماط الاستهلاك، والاستثمار، والتعليم، ونوعية الحياة. وبالتالي تعد العمالة المهاجرة قوة فاعلة في كلا البلدين، المستضيف والمصدر، الأمر الذي ترتب عليه إنشاء علاقات ثنائية وجماعية بين الهند ودول المنطقة لإدارة شؤون العمالة المهاجرة.

إجراءات فردية وثنائية

تستمر موجات العمالة الهندية المهاجرة مؤقتاً إلى دول الخليج في التزايد بأعداد كبيرة ليس فقط بسبب قلة فرص العمل في بلادهم الأصلية، بل أيضاً بسبب تدني مستوى الأجور المتوفرة في الهند لذات الوظائف التي يعملون فيها في الخليج. فكما تشير التقديرات يصل متوسط أجر العامل في دول الخليج إلى 4887 دولار كمتوسط عام. وتتم عملية "توظيف" العمالة الهندية عبر عدة قنوات، منها شركات التوظيف الخاصة، ومراكز التوظيف المشتركة، وبعض المؤسسات الحكومية، فضلا عن النظام غير الرسمي من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية التي تؤمن بعض فرص العمل. وتنظم أغلب الدول الخليجية عملية استقدام العمالة الهندية إليها، وتسعى من خلال تشريعات مختلفة إلى تنظيم وجودهم وضمان بقائهم في الدول بصورة شرعية من خلال تأشيرات عمل سارية حرصاً من دول الخليج على ضمان ألا يقع العمال فيها فريسة سهلة لبعض وكلاء التوظيف الذين يعملون بطرق غير قانونية.

وفي هذا الصدد، تم اتخاذ بعض الإجراءات الخليجية، والأخرى الهندية، علاوة على الإجراءات الثنائية أيضاً. فمن جانبها، طبقت دول الخليج نظام العفو لإعطاء فرصة لمن انتهت تأشيراتهم بالعودة إلى الهند أو تجديدها، ومن ثم تقلص عدد شركات التوظيف غير القانونية. وعلى مستوى الحكومة الهندية، اتخذت أيضاً بعض الإجراءات لحماية مواطنيها أهمها إنشاء مكتب "حماية المهاجرين" التابع لوزارة الخارجية الهندية، والمنوط به منح وثيقة إذن السفر، والذي يوفر ميزة التحقق من سلامة إجراءات توظيفه، كما أنه يوجه الباحثين عن فرص عمل بالخليج إلى التعامل مع وكلاء التوظيف المسجلين لديه. وكذلك أنشأت الوزارة "صندوق الرفاه الاجتماعي للمجتمع الهندي" في الدول التي يوجد بها أعداد ضخمة من العمالة الهندية. كما أبرمت وزارة العمالة الهندية مع دول الخليج عدداً من الاتفاقات ومذكرات التفاهم بشأن العمالة في الدول المستضيفة.

تقييم أوضاع العمالة الهندية في ضوء المتغيرات الجديدة

لاتزال دول مجلس التعاون تعتمد على العمالة الهندية على نطلق واسع، من كافة التقسيمات، سواء العمالة الماهرة أو غير الماهرة أو المتخصصة. ويبدو أن هذا التوجه سوف يستمر في المستقبل القريب. وعلى الرغم من سياسات التوطين التي اتخذتها معظم دول الخليج، فإنها لم تؤثر بشكل كبير على معدلات قدوم العمالة الوافدة إليها باستثناء المملكة العربية السعودية. ويتوقع أن تستمر العمالة الهندية في التوافد إلى المنطقة مع استمرار المنافسة بين دول جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا في محاولة الاستحواذ على فرص العمل في المنطقة.

وتستفيد الهند من توافد عمالتها إلى دول الخليج. فمن ناحية تساهم هذه العمالة التي تفد إلى دول الخليج في حل جزئي لأزمة البطالة في الهند، ومن ناحية أخرى سوف تستفيد الدولة الهندية من خبرات العمالة المهاجرة التي تم تدريبها عند عودتها للهند مرة أخرى، فهي على المدى الطويل سوف تحقق رأسمال بشري جيد للهند. هذا فضلا عن التحويلات التي تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد الهندي.

من جانب آخر، يساهم هذا العدد الكبير من العمال الهنود المتواجدين في الدول الخليجية في استمرار العلاقات التعاونية بين الهند ودول المنطقة، بل وتقوية العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية بينها وبين دول المنطقة كذلك.

وعلى الرغم من استمرار حركة العمالة الهندية لدول الخليج، فإن هناك مجموعة من المتغيرات التي طرأت على الإقليم بشكل عام وبعض السياسات الداخلية التي يمكن أن تغير من هذه الصورة، ومنها أن سياسات تنويع القاعدة الاقتصادية التي تبنتها الدول الخليجية تتطلب عمالة وافدة إليها، لكنها أكثر تخصصية عن تلك التي ترد من الهند بصورة عامة، ما يعني أنها في حاجة إلى عمالة أكثر تخصصاً، وهو ما تدركه الهند وتسعى إلى التعامل معه من خلال توفير عمالة أكثر مهارة تتناسب مع المتطلبات الجديدة والوظائف المطروحة في دول الخليج.

وتقول الباحثة: "إذا كان صحيحاً أن دول مجلس التعاون اتخذت إجراءات موسعة بشأن عملية التوطين، فإنها عملية طويلة المدى تتطلب إجراءات وإعداد كثيف، ومن ثم فإنه سوف يترك تأثيراً على معدلات توافد العمالة إلى الدول الخليجية، لكنه على الأرجح سيؤثر على عدد العمالة الماهرة والمتخصصة من جانب آخر حيث يمثل انخفاض أعداد المواطنين في بعض الدول الخليجية فرصة لاستمرار العمالة الأجنبية في التوافد وزيادة الطلب عليها على الأقل في المستقبل المنظور".

ومما سبق يمكن القول إنه من المرجح استمرار تدفق العمالة الهندية على دول الخليج خاصة تلك التي تعتمد بنسبة مرتفعة على العمالة الأجنبية ولديها خطط ومشروعات كبرى مستقبلية.

* عُرض موجز للفصل الخامس تحت عنوان: "العمالة الهندية المهاجرة إلى دول الخليج"، من كتاب: "التطورات في منطقة الخليج.. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين"، الصادر عام 2014 عن معهد دراسات وتحليلات الدفاع في نيودلهي.

المصدر:

Neha Kahli, Indian Migrants in the Gulf Countries, in Rumel Dahiya (Editor), Development in The Gulf Region: Prospects and Challenges for India in the Two Decades (New Delhi: Institute for Defense Studies and Analyses, 2014( PP 116-147.